الكاتبة : إيمان سالم

عودة مفاجئة لجسم غريب تلوح في الأفق، فقد ظل عالقًا في السماء لأكثر من خمسين عامًا. إنه مركبة فضائية سوفيتية أُطلقت عام 1972 ضمن مشروع طموح لاستكشاف كوكب الزهرة. ومع فشل المهمة، بقيت المركبة محتجزة في مدار الأرض، تدور بصمت منذ 53 عامًا، وها هي الآن تتجه نحو الأرض، لكن وجهتها النهائية لا تزال مجهولة.

هذه حكاية بعثة لم تبدأ أبدًا. في الحادي والثلاثين من مارس عام 1972، أطلقت وكالة الفضاء السوفيتية مركبة "كوزموس 482" ضمن برنامج "فينيرا" الهادف إلى إرسال مجسات لكوكب الزهرة، أقرب جيران الأرض. إلا أن الحظ لم يحالفهم، حيث تعرض الصاروخ لعطل بعد فترة قصيرة من الإقلاع، مما حال دون خروج المركبة من مدار الأرض، وتحول الطموح العلمي إلى قطعة حطام تدور حول الكوكب.

تم تصميم مركبة الهبوط المرافقة لـ"كوزموس 482" لتحمل ظروف الغلاف الجوي القاسية للزهرة. بوزن يقارب 500 كيلوجرام وغلاف كروي متين بعرض متر واحد، تستطيع مقاومة درجات الحرارة والضغط الشديدين. هذه المتانة الاستثنائية تجعل العودة المرتقبة للمركبة إلى الأرض محط اهتمام عالمي، كما ورد في صحيفة "نيوزويك".

منذ إخفاقها في الوصول إلى هدفها، ظلت المركبة تجوب الفضاء في مدار بيضاوي بعيد، بدأ بالتآكل تدريجيًا بفعل مقاومة الغلاف الجوي، خاصة عند النقطة الأدنى من المدار. ومع مرور السنوات، انخفض أعلى ارتفاع لها من نحو 9800 كيلومتر إلى 370 كيلومترًا فقط مؤخرًا، وذلك وفقًا لماركو لانجبروك، المحاضر المتخصص في الوعي الفضائي بجامعة دلفت الهولندية، الذي يتابع مسارها منذ 2019. وتشير الحسابات إلى أن المركبة ستدخل الغلاف الجوي للأرض بين 9 و10 مايو الجاري بسرعة قد تصل إلى 250 كم/ساعة، ويتوقع أن يكون الاصطدام مشابهًا لسقوط نيزك صغير، وهو أمر يحدث أكثر من مرة سنويًا.

لكن أين ستهبط؟ رغم دقة الحسابات، تظل نقطة السقوط مجهولة. إذ تدور المركبة حول الأرض بين خطي عرض 52 شمالًا و52 جنوبًا، وهي منطقة تشمل العديد من المناطق المأهولة حول العالم. ومع سرعتها البالغة حوالي 28 ألف كم/ساعة، فإن فارقًا صغيرًا في التوقيت قد يغيّر موقع الهبوط بآلاف الكيلومترات.

لانجبروك يوضح أنه لا يمكن تحديد موقع الاصطدام إلا قبل ساعات قليلة من دخول المركبة الفعلي للغلاف الجوي، بسبب تغيرات دقيقة في كثافة الغلاف الجوي العلوي، المتأثرة بالنشاط الشمسي. رغم أن الوضع قد يبدو مقلقًا، فإن الخبراء يقللون من حجم الخطر المحتمل. تشير الاحتمالات إلى أن المركبة ربما تهبط في أحد المحيطات التي تغطي أكثر من 70% من سطح الأرض. وحتى إذا سقطت على اليابسة، فمن غير المرجح أن تُحدث أضرارًا جسيمة إلا في حال كان الحظ سيئًا للغاية، كما يعلق لانجبروك بشكل ساخر.

"كوزموس 482" ليست مجرد حادثة فشل في مهمة فضائية. إنها تذكار من ذروة سباق الفضاء بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة. بعد أيام قليلة فقط من نجاح مركبة "فينيرا 8" في الهبوط على سطح الزهرة، واجهت "كوزموس 482" مصيرًا مختلفًا بسبب فشل مؤقت الإطلاق الذي حال دون استكمال مسارها نحو الكوكب الشقيق. لتظل معلقة حول الأرض وكأنها تنتظر دورها الأخير.

في يونيو 1972، انفصلت كبسولة الهبوط عن المركبة الأم، حيث عاد جزء منها إلى الأرض في عام 1981. أما الباقي،